البيئة الشعبية منهل لفن التشكيل العراقي

البيئة الشعبية منهل لفن التشكيل العراقي




تحقيق - ضياء الاسدي
القى الطابع الشعبي بظلاله على معظم نتاجات الرسامين العراقيين وسواهم، حيث شكل الموروث الشعبي الخميرة الاولى لهؤلاء التشكيليين على وجه الخصوص في منح اعمالهم المعتبرة طقوس العوالم الشعبية المستمدة من الموروث الضارب بأطناب التاريخ




حيث اضفت تلك اللمسات الشعبية رونقا وواقعية طاغية بتأثيث اللوحة تتناغم مع تقافز الالوان المعبرة والنابعة من اصالة ثرة ترتوي من ينابيع الموروث ذي السليقة الشعبية وتتكامل مع العمل الابداعي للفنان التشكيلي الذي يسعى الى تأويل الموروث الشعبي في فنه الخلاق..
(ثقافة شعبية) استطلعت آراء عدد من التشكيليين العراقيين وكانت هذه الحصيلة.
معين لا ينضب
الدكتور محمد الكناني رئيس قسم الرسم في اكاديمية الفنون الجميلة يقول:
الموروث الشعبي حقيقة يعطي غنى للمنتج لاعادة تأهيل النص البصري الذي ينبغي ان يدام بشكل مستمر وعملية هذه الاستمرارية والادامة تحتاج الى التنقيب في دائرة البصري ومنها البنى الشعبية الموروثة حيث تساهم في اعطاء العمل الفني مرموزات ومحمولات لكن يجب ان تستعار بذكاء تام وتحمل طاقة تعبيرية كما نجح اغلب الرسامين العراقيين الذين تعكزوا على موضوعة الموروث الشعبي في اعمالهم مثل فائق حسن في بعض اعماله حيث اعتمد على الموروث في ازياء شخصياته التي كانت ترتدي الاستعارات الشعبية مثلا.
وجواد سليم ايضا اعتمد على الموروث الشعبي البغدادي واعماله مازالت حتى الان مثار جدل على المستوى الابداعي الذي تحتويه والفنان حسن عبدعلوان الذي تشكل كل اعماله الفنية تقريبا موروثا حضاريا ونوري الراوي عندما استخدم البراق والنواعير وضياء العزاوي ايضا كانت له استخدامات معبرة من الموروث الشعبي والفنان سعدي داود، فاخر محمد، عاصم عبدالامير، كاظم نوير وغيرهم حتى الفنانون الذين لديهم تجارب حداثوية ولجوا موضوعة البيئة الشعبية مثل رافع الناصري تجد في بعض رسوماته تحمل هذا العبق الارتشادي مثل الحناء والخطوط والحروف او (الملك) المستخدم في الزيارات ليس المهم ان يستعار من الموروث بل المهم هو كيف يوظف بلحظة ابداعية وجمالية فمثلا بعض الشخصيات استخدمها الفنانون بقوة في اعمالهم مثل الخاطبة المزين (الحلاق) القهوة الحايك ابو (الكركري) كل هذه مهن شعبية تداولها الفنانون بشكل كبير في رسوماتهم.
كما ان هناك الوانا استخدمت كمرموزات شعبية في الاعمال مثل اللون الاحمر والاخضر لانها محملة بدلالات ومضامين فكرية هائلة جدا وهنا البيئة تحمل الارث الشعبي بمدلولات تتناسب مع قيمها فمثلا نحن جنس البشر الابيض نرى الشيطاني اسود بينما في افريقيا السوداء يرونه ابيض.. وفي العراق نمتلك كما هائلا من الممارسات الشعبية كالزيارات والالعاب والازياء وبما يرتبط بالختان والافراح والحمامات كل هذا يشكل معينا لاينضب امام الفنان لكي يستل منها ما يشاء في توظيفها بشكل بارع في عمله الفني او مختبره التجريبي.
وبالتالي نصل الى نتيجة بان الموروث الشعبي يشكل حضورا كبيرا ومهيمناً في هوية الفن العراقي المعاصر.
نتائج مثيرة
الفنان حسام عبدالمحسن استاذ الرسم في اكاديمية الفنون الجميلة تحدث عن الرسامين الذين وظفوا البيئة الشعبية في لوحاتهم قائلا:
استفاد الفنانون العراقيون بشكل عام من البيئة الشعبية وخصوصيتها في معظم لوحاتهم وقد اثارت بيئتنا الشعبية حتى الفنانون الذين هم خارج منطقتنا ومن اجل ان يؤكد الفنان أصالته الجغرافية والبيئية اتجه الى توثيق هذه البيئة الشعبية وبالتالي وصلوا الى تحقيق نتائج مثيرة في هذا المجال وحول ابرز الفنانين الذين اتجهوا الى البيئة الشعبية قال:
الفنانون الذين اشتغلواعلى موضوعة البيئة الشعبية في رسوماتهم كثيرون ومن ابرزهم فؤاد جهاد، حسن عبدعلوان، هاشم السنجري وغيرهم وهذه المجموعة هي التي اختطت هذا المنهج ولكن بالتأكيد هذه المجموعة بدأت تغير من خطها وربما وصلت الى نتائج قد تكون هي جزء من (ستايل) معين او اسلوب لخصوصية هذا الفنان.
وفيما يخص ادخال البيئة الشعبية ضمن الدروس التطبيقية للطلبة قال:
التدريس في كلية الفنون الجميلة وفق منهج نتقيد به سواء في المرحلة الاولى او الاخيرة (الصف الرابع) لكن الموروث الشعبي قد ندخله في جزء من مشروع الطلبة في الصف الرابع لكن لايمكن اعتباره درسا اساسيا مع ان بعض الاساتذة ينوه لطلبته عن اهمية موروثه الشعبي الخاص وبالتالي يتثقف في هذا الخصوص وفي هذا المجال استفاد الرسام العالمي بيكاسو من الموروث
الشعبي الافريقي وبدأ يحلله من وجهة نظر معاصرة.
جدل وصراع
الفنان باسم علاوي الاستاذ في اكاديمية الفنون الجميلة يقول:
الموروث الشعبي وتوظيفه في الاعمال العراقية من المواضيع المهمة التي استفاد منها الفنان في اعماله حيث وظف هذا الموروث بطريقتين بصرية وفكرية. فالتوظيف البصري نقصد به الثيمة الشعبية كما في لوحات عامر العبيدي حيث استعمل البساط العربي واقتطع منه اجزاء ووظفها في بناء شكل الخيول العربية تماما كما فعل بيكاسو عالميا حين استخدم الاقنعة الافريقية ووظفها في الموروث الشعبي وتم الصاقها باللوحة مع اختلاف المحيطين، اما الموروث الشعبي الفكري هو التقاط المفردة الشعبية والتي قد تكبر حتى تكون محلة بأكملها كما وظف نوري الراوي مدينة راوة حيث رسمها كمدينة حالمة وكيف كان يحيي بها طفولته والصقها بهذه اللوحة. بالمقابل نجد مارك شاغال الذي كان يرسم نفسه مع جيبته وهو يطير فوق المدينة فلم يقتطع جزءا بصريا محددا او مفردة شعبية كأن
تكون بساطا او جرة بل وظف المدينة والبيئة باكملها.
وحول المديات التي انطلق بها الفنان في فضاء الموروث الشعبي قال:
عموما كل الفنانين استلهموا الموروث الشعبي لكن هنالك جدلا او صراعا بين الذات والموضوع قد يطغى الذات على الموضوع فتكاد بصعوبة ان تجد موضوع الموروث الشعبي في اعمال الفنان رغم استلهامه له. اما اذا ساد الموضوع فتجد ان هذا الموروث الشعبي يلغي الفنان حتى تصل به الى التشابه مع اعمال مجموعة من الفنانين، كون انهم (اي الفنان) استلهموا موضوعة الموروث واضاف:
حين يستلهم موضوع الموروث الشعبي فكريا يكون اكثر اغناء بالنسبة للفنان لكن بالمقابل يكون فقيرا بالنسبة للمشاهد فاللوحة حين تعرض في المعارض تكاد ان تتحول الى خطاب جماهيري للعامل والفلاح البسيط والشريحة المثقفة فالموروث الشعبي الملتقط والمقتطع بصريا كما هو في اظهار ثيمة البساط والجرّة وغيرها يظهر بها اثر الموروث الشعبي بصريا اما الاستلهام الفكري يظهر اثر الموروث بشكل انضج لكن يقتصر ذلك على النخبة فقط وليس على المتلقي الاعتيادي.
وفيما يخص الفنانين الذين اقتبسوا من الموروث الشعبي قال:
سئل ذات يوم الرسام العالمي ريمور عن اشكاله النحتية وتأثر بعض الفنانين العراقيين والعرب باعماله فقال (استغرب كيف يتأثر الفنانون العراقيون باعمالي وانا استلهم من الفن الاشوري العراقي) فاحيانا قد يكون استلهام الموروث الشعبي بطريقة الاقتباس عن اقتباس وذلك بضعف الفكرة بينما لو وجدنا جذر الاقتباس من الفنان (ابن البيئة) لكانت الفكرة والتوصيل اقوى فالفنان الذي لايحس ويتناغم ببيئته الشعبية لايمكن ان نقول عنه كان صادقا على الاقل فمثلا نحن ندرس في منهجنا الفن البيئي وهو عملية توظيف المفاهيم التشكيلية والمفردات وتطبيقها بالبيئة وهنا اذكر بان احدى الطالبات قدمت لي رسما للريف الاسكتلندي وهذا ليس صحيحا ولا اختيارا صائبا كما طلب من رسام انكليزي رسم الهور العراقي وهنا رفض قائلا احتاج ان اذهب الى الهور وامسك القصبة بيدي واتنفس رائحة الرطوبة لكي اكون صادقا في فني.
للنحت حصته
د. احمد الهنداوي الاستاذ في اكاديمية الفنون الجميلة اخبرنا عن اهم الفنانين الذين استخدموا الموروث الشعبي في اعمالهم التشكيلية قائلا:
الموروث الشعبي العراقي واسع وذو جذور تمتد الى عمق الحضارة الرافدينية ومعظم الفن العراقي هو سليل تلك الحضارة وعليه فان معظم الفنانين العراقيين التشكيليين استخدموا الموروث الشعبي وكلّ حسب اسلوبه وقابلياته الابداعية منذ نشأة الفن الحديث في العراق بدايات القرن العشرين ولحد الان وفي جميع التخصصات في النحت والخزف والرسم والفنون التطبيقية الشعبية الاخرى.
وحول الحضور الطاغي للموروث الشعبي في اعمال الفنانين قال: نلاحظ اذا ما تركنا موضوعة التصنيف في الموروث الشعبي العراقي ان الفنان جواد سليم استخدم في نصب الحرية والمواضيع التي طرقها انه استخدم جزءا من الموروث الشعبي وهناك بعض الفنانين الذين اعتمدوا على الموضوعة او الوحدة الشعبية بشكل مباشر واصبحت اعمالهم مميزة عن بقية الفنانين مثل الفنانة وداد الاورفلي، ياسين المحمداوي، المرحومة سهام السعودي، ماهر السامرائي في الخزف، ومن الفنانين العالميين يقف بالمقدمة العالمي بيكاسو وحول استخدام الموروث الشعبي في فن النحت قال:
باعتقادي يقف النحات العراقي محمد غني حكمت في طليعة الفنانين العراقيين الذين ادخلوا الموروث الشعبي العراقي في اعمالهم المتحفية في داخل وخارج العراق واذكر في منتصف الثمانينيات اقام معرضا في قاعة وداد الاورفلي في المنصور كان موضوعه هو (المدقة) التي كانت توضع على الابواب في الثلاثينيات من القرن المنصرم. وكان معرضا استلهاميا مهما للموروث الشعبي.