حكاية دارمي
حمزة الحلفي
الدارمي، او كما يسميه اهل الشعر خلاصة الخلاصة، يعتبر الاقرب للذائقة العامة كونه يجمع بشطرية الصدر والعجز سلاسة التنغيم والصورة الشعرية، ولان الدارمي يرتبط بالحكاية الشعبية والارتجال (الآني) اصبح المادة الاساسية في كل مجالس الشعر الشعبي حتى صار عوضا و(بديلا) لبث شكوى العشق وطلب الحاجة وغيرها من الموضوعات العامة،
ولا يخفى على (سميعة) الدارمي الجانب البلاغي الذي تجسد في معظم الدارميات المتداولة والمحفوظة كما جاء في حكاية ذلك العاشق الذي يجهل مكان محبوبته التي غادرته الى مكان غير معلوم اذ يقول:
- عمده ارد اتيه الروح وبعاصف الريح
بلجي اعله نزل اهواي من تصفن اتطيح
و(تصفن) هنا جاءت لسكوت الريح عن عاصفتها لتحذف بروحه الى حيث ما استقرت، لعلها تصادف بنزولها بضربة حظ مكان حبيبته المنشودة، اذن هو محاولة اختصار جميلة من شأنها ان تعبر عن اكبر المواقف بين شطرين صغيرين وتكون اكثر ايضاحا من القصائد الطويلة المسترسلة، ولنأخذ اليوم حكاية دارمي فيها من الغرابة والتشويق ما يدعو لنشرها ومفادها علاقة حب جمعت بين اثنين في قرية من ريف العراق، ورغم عذرية هذا الحب او ما يسمى بـ(عشك اهلنه) الا ان المحظورات التي وقفت في طريق هذا الارتباط الروحي ادت الى عدم موافقة الاب ليزوج ابنته لحبيبها الذي استقتل على خطبتها اكثر من مرة مع علم ابيها بمدى رفعة واخلاق وسمعة هذا الخاطب العذري وكما يفعل الاباء الرافضون في حسم هذه القضية، اعطاها لابن عمها مرغمة، وعلى إثر هذا الزواج وهن الامر بالحبيب واخذ يتساقط كما الاوراق في الخريف حتى ضاعت ملامحه وفقد صحته على مدى (3) سنوات راقدا في فراش المرض، في هذه الفترة انجبت حبيبته من ابن عمها صبيا وصبية، وفي يوم جاءت بصحبة زوجها واطفالها الى بيت اهلها فاخبروا المسجى على فراش المرض والفراق بأمر وصولها فما كان منه الا ان يرسل ابن اخيه يستعطفها بان تزوره حتى يراها قبل المنية، وفعلا ذهب هذا الصغير واخبرها فما كان منها الا ان اخبرت زوجها قائلة له بالحرف الواحد من ان هناك مريضاً على اعتاب الموت وان هذا المريض كنت قد احببته قبل زواجي بك ومازالت لانه شريف لم يلمس يدي يوما في حياته ويريد ان يراني فهل تذهب معي فزيارة المريض واجبة وان لم تفعل فاني ذاهبة وحدي فوافقها زوجها الرأي وذهب اليه وعند دخولهما اليه نظر اليها بعيون ذابلة وبعدها لفظ انفاسه الاخيرة فأندفعت هي الاخرى لتلقي بنفسهاعليه مفارقة الحياة فوقف الزوج مذهولا ينظر بين الجالسين فأرتجل قائلا:
- ما حظه بغير الموت من جابوا ادواه
مات واخذ من مات جتاله وياه